من الحجر الصحي إلى الواقع السياسي.






من الحجر الصحي بين المدينة والبادية، إلى الواقع السياسي.


كلمة الحجر الصحي في وقتنا الحالي هي كلمة ترتبط ارتباطا وثيقا بكلمة كورونا، فمنذ أن بدأنا الحديث عن هذا الفيروس الفتاك ونحن نسمع كلمة حجر ،لكن هل هذا الحجر الصحي هو نفسه في جل مناطق العالم أم يختلف من منطقة الى أخرى ؟ هل يمكن الحديث عن وسط مناسبة لتعايش أفضل مع الحجر الصحي ووسط آخر غير مناسب لهذا الحجر الصحي؟ 

لنسلط الضوء في هذا الصدد على المدينة والبادية وأيهما يسهل الحجر ويخفف من وطأته على الأفراد.

فقد بدا للكثيرين في بادئ الأمر أن الهروب للبادية هو الحل الوحيد للتحرر من الحجر، فعلى أية حال يمكن للإنسان أن يرى السماء والجبال والطبيعة، وأن ينعم الأطفال بالحرية في اللعب واللهو والجري هنا وهناك، على عكس المدينة التي تجعل الناس مسجونين بين أربعة حيطان ليس أمامهم إلا النوم ومشاهدة التلفاز والهاتف أما بالنسبة للأطفال فحالهم يرثى لها.

ربما كانت ساكنة الكثير من أحياء المدينة تعاني من ضجيج آلات النجارة أو الحدادة أو ضجيج الأطفال الذين يلعبون في الشارع، كانوا يتمنون الهدوء والسكينة في الحي، وها قد جاء اليوم الذي تحققت فيه هذه الأمنية بعدما كانت شبه مستحيلة ،وهاهم الآن يتمنون عودة المياه الى مجاريها.

لا أخفي عنكم أن الخوف والقلق يعم كل مناطق العالم جراء هذا الوباء، إلا أن أصحاب البوادي - في الحقيقة - يستطيعون الترويح عن النفس بينما أصحاب المدينة يشعرون بالاختناق داخل صناديقهم.



لقد أقدم الكثير من الناس على اتخاذ هذا القرار وفروا الى البادية للتحرر من الحجر لكن أغلبيتهم يمكن- ان أقول- أحس بالندم بعض الشيء، لأن المواصلات بين المدينة والبادية انقطعت ، فكيف لأحدهم إن مرض أن يصل المستشفى وخاصة إن لم يكن يملك سيارة لا هو ولا أحد جيرانه.ليس هذا الامر فحسب فقد ذهب بعض الطلاب الى البادية وعندما تم الاعلان عن موعد امتحاناتهم لم يستطيعوا العودة الى مدينة دراستهم لانعدام مدارس وثانويات او كليات''' بالقرب من سكناهم.


 إنهم عالقون في البادية يحاولون إيجاد ترخيص كي يعودوا في الوقت المناسب لاجتياز الامتحان، حتى وإن حصلوا على ترخيص وسمحت لهم السلطات بالتنقل ،لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا لانعدام الموارد المالية لأداء مقابل هذا التنقل الذي يرتفع بشكل صاروخي كلما زادت حالة الطوارئ أو تم تمديد الحجر الصحي، فأصحاب النوايا الحسنة في هكذا محن يتحينون الفرص لاصطياد ضحاياهم وافتراس جيوبهم الفقيرة أصلا، وهذا الارتفاع الكبير في أثمنة التذاكر ليس غريبا عنا، إذ نجد أنفسنا مضطرين لأداء تذاكر باهضة الثمن أيام الأعياد وفي بعض المناسبات، ولا أحد يكترث لحال من لا تمتلك جيوبهم ما يكفي من دراهم، ويجب ألا نستغرب لذلك لأن استهداف جيوب الفقراء هو الحل والملجأ الأول والأخير لكل من رغب في تحقيق مزيد من الربح : حكومات ومؤسسات وشركات،بل ومهن حرة أيضا. فتعذرعليهم العيش الكريم، وأصبحت حاجيات ومتطلبات الحياة صعبة ومستحيلة أحيانا أمام الارتفاع المستمر في الأسعار، فأين أصحاب السياسة من كل ما يقع؟ وأين أصحاب السياسة الفضلاء الذين تكون مهمتهم محاربة الفساد ومنع الثراء غير المشروع الذي يكون على حساب المواطن؟ أين أنت أيها المواطن من كل ما يفعله السياسي بك وبإخوانك وأحبابك؟

بكورونا أو بدونها يتم استغلال المواطن البسيط ، في المدينة أو البادية يتذوق الجميع مرارة السياسات الفاشلة لسياسي لم يدخل السياسة بمشاريع واضحة للنهوض بالوضع اللإقتصادي للبلد والذي من شأنه أن يعود بالإيجاب على الكل، فهذا النوع من السياسة يستهدف المواطنين ويعول على جيوبهم. ألم يحن الوقت بعد ليتحمل المواطن مسؤوليته عن كل مايقع ،هذه المسؤولية تبدأ بتوعية ذاته من الناحية السياسية لمعرفة حقوقه وواجباته، وأن يمتلك وعيا واضحا وكافيا بمبادئ العدالة والخير ليتمكن من محاسبة ذاته أولا وسياسييه ثانيا. 

سواء كنا هنا أو هناك، فالواقع يعاني من غياب الفعل السياسي الحقيقي الذي تكون مؤشرات نجاح أصحابه واضحة من خلال تحسن وضع كل من كان يعاني قبل حكمهم. أما أن تزيد في معاناة الجميع مع التباهي والتبجح بالإنتصارات، فواجب عليك بزيارة الطبيب النفسي، لقد أخرت هذه الزيارة كثيرا. 
                                           ......س.إ.

إرسال تعليق

0 تعليقات