منهجية القولة الفلسفية، مرفوقة بنموذج تطبيقي من مفهوم الدولة، م السياسة.2020



                منهجية تحليل القولة الفلسفية.
 العناصر الضرورية التي ينبغي مراعاتها في كتاباتنا الإنشائية حول القولة(فيديو1)،
مرفوقة بنموذج تطبيقي من مفهوم الدولة، مع فيديو توضيحي لكيفية بناء المفارقة(فيديو2).⇓⇓⇓



فيديو1: الخطوات المنهجية لتحليل قولة فلسفية.⇑⇑⇑


⇩⇩نموذج تطبيقي حول منهجية القولة الفلسفية المرفقة بمطلب               


                      "الدولة هي المحقق الفعلي للحرية"                                              انطلاقا من القولة بين كيف تحقق الدولة الحرية؟


  
  ينفتح مضمون هذا القول على المجال السياسي من خلال تناوله لموضوع الدولة والغاية من وجودها ،وتعتبر الدولة شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي وظيفته تسيير حياة الافراد داخل المجتمع وضمان اشتغاله على نحو منظم ،وذلك عبر عدد من المؤسسات الادارية والقانونية والسياسية والعسكرية، فعن طريق هذه الأجهزة تتولى الدولة تحقيق السلم وحماية الحقوق والحريات ، غير أن الغاية من وجود الدولة تضعنا أمام مفارقة فهي تسعى لحفظ الحقوق وحريات الافراد والحفاظ على النظام والتوازن بين العلاقات الاجتماعية ولكن في الوقت ذاته تملك سلطة تخول لها أحيانا اللجوء إلى العنف والهيمنة والسيطرة لتحقيق ذلك ، الشيء الذي يضعنا أمام التساؤلات التالية: كيف يمكن للدولة أن تحفظ الحق وتضمن الحريات من خلال ممارستها للعنف؟ بمعنى اخر هل الغاية من وجود الدولة هي حفظ الحق والحرية من خلال القانون أم هدفها ممارسة العنف والسلطة؟ وبأي معنى تحقق الدولة الحرية ؟ألا يمكن القول أن الدولة تقمع مواطنيها وتخدم مصلحة الطبقة الأقوى؟

       جوابا عن التساؤلات أعلاه ،تقدم القولة أطروحة مفادها أن الغاية الحقيقة من وجود الدولة هي تحقيق الحرية وتمكين الانسان من التمتع بكل حقوقه في الحياة والعمل، وتحريره من كل أشكال الخوف والعنف؛ فالدولة بهذا المعنى هي ما يجعل الحرية أمرا ممكنا وفعليا. 

واضح اذن أن القولة تربط بين الدولة والحرية ،والمقصود بالدولة مجموع المؤسسات والاجهزة التي تمارس السلطة والحكم وتسهر على تدبير وتنظيم شأن جماعة بشرية معينة، لذلك لا ينبغي أن نفهم من الحرية التي تمنحها الدولة هي تلك الحرية المطلقة للإنسان في فعل كل ما يريده لأن ذلك سيخلق الفوضى بين أفراد المجتمع نظرا لتعدد مصالحهم الذاتية وتناقضها، ومن هنا ضرورة تقنين هذه الحرية في حدود تُلزم الفرد بممارسة حقوقه وعدم الحاق الضرر بالآخرين(بالغير) ، لأن أهمية الدولة تكمن في خلق الانسجام والنظام للمجتمع والحد من عدوانية الأفراد، فتكون الحرية اذن هي ما نريد حسب ما تسمح به القوانين، هذه القوانين وضعها الانسان من أجل تجاوز حالة العنف والصراع الدائم قبل وجود الدولة. 
لنفترض مثلا أن أحدا يمتلك حرية مطلقة في فعل كل ما يحلو له يشاغب ويتمرد على كل ما تسطره القوانين ويسرق ممتلكات الاخرين التي اكتسبوها من عرق جبينهم، فلا شك أن مثل هذه الأفعال ستولد عنفا مضادا مما يشكل خطرا على تعايش الأفراد فيما بينهم. كما أن الهلع والخوف الذي يتملك سكان مدينة تعيش على وضع التراشق بالحجارة بين جمهور فريقين في كرة القدم، يوضح لنا أهمية الدولة التي تتدخل بأجهزتها لإعادة الهدوء والأمن والاستقرار للمدينة، الأمر الذي يستلزم ضرورة وجود سلطة عليا تضمن حقوق الكل وتسمح بتعايش الحريات. وقد فسر بعض الفلاسفة ظهور ونشوء هذه السلطة العليا(الدولة) من خلال تعاقد الأفراد فيما بينهم للخروج من حالة الفوضى الدائمة من خلال تنازلهم عن حريتهم الطبيعية في فعل ما يشاؤون من أجل الحرية المدنية التي تقرها وتحددها الدولة. 


      يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد أن الغاية من تأسيس الدولة هي العمل على تحقيق الحرية لمواطنيها، وتكمن قيمة هذه القولة في كونها تؤكد على أهمية الدولة وقوانينها ومؤسساتها في تحقيق الحرية وتحديدها لضمان التعايش المشترك بين جميع مواطنيها دون أن يتصرف أحدهم تصرفا يضر بالغير. وبهذا المعنى ،فالدولة لها دور مهم في استمتاع الكل بحريته وحقوقه بالقدر الذي يسمح للآخرين بالاستمتاع بحريتهم وحقوقهم. لكن هل بالفعل تكون الغاية من وجود الدولة هي الحرية؟ 


  في نفس السياق الذي تتجه فيه أطروحة القولة، نجد "باروخ اسبينوزا" يذهب إلى التأكيد على أن الغاية من قيام الدولة ليست هي الهيمنة والتسلط وإرهاب الناس أو تحويلهم إلى حيوانات أو آلات صماء، وإنما غايتها تحرير الأفراد من الخوف وضمان الأمن والاستقرار لهم لممارسة حريتهم والتمتع بها شريطة أن لا يُلحقوا الضرر بالغير أو يتصرفوا ضد سلطة الدولة ،فهذه الأخيرة في نظره تأسست على تعاقد الأفراد مع بعضهم البعض وتخليهم عن حريتهم المطلقة في أن يسلكوا وفق ما يشاؤون من أجل الحرية المدنية لكن مع إبقائهم على حقهم في التفكير والنقد. 


   كما نجد "جون لوك" يؤكد أيضا على أن غاية الدولة تتمثل في حماية الناس وضمان سلامتهم وتوفير الأمن لهم ولممتلكاتهم. وتستمد الدولة مشروعيتها في نظره من التعاقد الذي أبرم بين الأفراد والحاكم، وذلك باتفاق أفراد المجتمع على التنازل للحاكم عن بعض حقوقهم بالمقدار الذي يسمح بقيام سلطة عامة، مقابل المحافظة عل خيراتهم المدنية وتنميتها، ولا يحق لهذا الحاكم المساس بالحقوق الأخرى التي احتفظ بها الأفراد لأنفسهم كرعاية النفوس، لأنه لا الحاكم ولا أي إنسان آخر مكلف برعايتها. إنه اتفاق على جملة من القوانين والقواعد لغرض الانتقال من حياة يسود فيها التوحش والاقتتال إلى حياة قائمة على السلم. 


      لكن وخلافا لما سبق، يمكن القول أن الدولة ليست دائما إلى جانب مواطنيها وقد لا تستهدف حريتهم وتمتيعهم بحقوقهم كاملة، بل تقمعهم وتمارس العنف عليهم، مما يجعل الغاية من وجودها بعيدة عن المصلحة العامة لأفراد المجتمع، فتتحول الدولة بذلك إلى جهاز للتسلط ولقهر الأغلبية مقابل استفادة الأقلية. من هنا نتساءل: بأي معنى تكون الغاية من تأسيس الدولة هي الحفاظ على مصلحة فئة دون أخرى؟ 


  تماشيا مع التساؤل الأخير وعلى عكس المواقف السابقة، نستحضر تصور الفيلسوف الألماني "كارل ماركس" الذي يرى أن مشروعية الدولة لا تستمد من الاتفاق والتعاقد بين الأفراد والحاكم، بل تستمدها من الصراع القائم بين طبقات المجتمع حول ملكية وسائل الإنتاج، فمن يمتلك هذه الأخيرة يسود اقتصاديا وبالتالي يسود سياسيا، وبهذا المعنى تكون الدولة في يد الطبقة الأقوى(البورجوازية) ووسيلة تستعملها لحماية مصالحها وامتيازاتها وضمان تواجدها كطبقة مسيطرة ومهيمنة على الطبقة غير المالكة لوسائل الإنتاج(البروليتارية). 


   أكثر من ذلك قد تجعل الدولة من ذاتها غاية ولا تهدف إلى غاية خارجها، فتسعى إلى ضمان وجودها واستمراريتها والانفراد بالسيادة ،فتشتغل على حماية نفسها بالعنف الذي تحتكره ، وهذا ما جعل عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبر" يؤكد على أن جوهر الدولة الحديثة باعتبارها تجمعا سياسيا منظما، يتحدد من خلال ممارستها للعنف المادي مهما كانت طبيعة النظام السياسي القائم (ديموقراطي،استبدادي ملكي...)، وذلك من أجل حفظ النظام وحماية الحق العام، غير أن عنف الدولة في نظره عنف مشروع منظم بقوانين وهي الوحيدة التي تملك حق ممارسته، ولا تسمح لأحد باستخدامه إلا بموافقتها، وفي هذا الصدد يقول فيبر" "تعتبر العلاقة بين الدولة و العنف علاقة حميمية جدا(...) وتعتبر الدولة المصدر الوحيد للحق في ممارسة العنف". 


     وفي الأخير يمكن القول أن مشكلة أساس وغاية الدولة مشكلة فلسفية تنفتح على مقاربات متعددة، فأصحاب نظرية "العقد الاجتماعي" (اسبينوزا، لوك،) يجعلون الغاية من الدولة هي تحقيق الحرية و الأمن والسلم للأفراد من خلال عقد اجتماعي ارادي حر. أما الماركسية ترى في الدولة وسيلة بيد الطبقة المسيطرة وغايتها حفظ ورعاية هذه الطبقة. كما جعل ماكس فيبر من اللجوء إلى العنف أمرا مقبولا ومشروعا من الدولة للقيام بوظائفها، لكن في الحقيقة ينبغي للدولة أن تكون دولة الحق والقانون من خلال انفتاحها على مجال الحريات الفردية واحترام الشخص وحمايته من كل بطش وتظلم وذلك عبر عملية فصل السلط الذي يضمن رقابة السلطات لبعضها البعض.



فيديو2: يوضح كيفية بناء المفارقة
مرفوقة بالنموذج أعلاه يبين العناصر المنهجية بالتفصيل.⇧⇧⇧
                                                                                    * ذ: س.إ.ب.




              

إرسال تعليق

0 تعليقات